| اخر كتابات محمود درويش | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
Admin Admin
المساهمات : 276 تاريخ التسجيل : 08/07/2008 العمر : 46 الموقع : www.shreef2010.ahlamountada.com
| موضوع: اخر كتابات محمود درويش الجمعة أغسطس 15, 2008 4:56 am | |
| بدايةً .. دعونا نضع جميع النقاط أمامنا لتضح جميع الصور ماذا أعني ؟؟
أعني أنه في مئوية رام الله وفي قصر رام الله الثقافي ، شرف مسرحها العتيق شاعرنا ، حيث اقتسم المسرح مع الثلاثي جبران – وهي فرقة موسيقية تعزف العود بالطبع – وكان يجلس حين يحين دورهم في زج المزاجية !! وألقى هناك شاعرنا من تلك المنصة قصيدته " سيناريو جاهز " ، وسط عدة قصائد أخرى ، وحين توفي قيل أنها آخر كتاباته .. !! ثم وبعد أسبوع من الوفاة أذاعت إذاعة بي بي سي لندن BBC LONDON أن " الشاعر محمود درويش كتب قصيدةً بمناسبة وفاته " وأذاعت بصوته جزءاً صغيراً من قصيدة " جدارية " الطويلة والتي كتبها في عام 1999 .. وكان الجزء بالفعل يثير مقالهم بالفعل .. ويؤكد صحته بالقول !!
مِتْرانِ من هذا التراب سيكفيان الآن… لي مِتْرٌ و75 سنتمتراً… والباقي لِزَهْرٍ فَوْضَويّ اللونِ، يشربني على مَهَلٍ، ولي ما كان لي: أَمسي، وما سيكون لي غَدِيَ البعيدُ، وعودة الروح الشريد كأنَّ شيئاً لم يَكُنْ وكأنَّ شيئاً لم يكن ...
وهي تَتمَّةُ الجدارية .. هذا وذاك أثارا حنقي .. وزاد الأمر حنقاً حين وجدت الشعب الفلسطيني يعجب من قصيدته " سيناريو جاهزٌ " ، وكثيرون غالطوا في معانيها .. وأكثر لم يفهموها ، إلا أن الـ 800 متفرج في مسرح رام الله كانوا يصفقون كالعادة !! أما " درويش " فحتى الآن لم يُعلن له – أبداً – عن قصيدة قبل وفاته بيوم أو ما شابه مثل ما قيل هنا وهناك على الشبكة ووسط مدونات ومواقع الكتاب الكبار . وبعون الله سأقوم بنشر كلا القصيدتين هنا . مع شرح للأولى التي أثارت الجدال الطويل حول ما يعنيه " درويش " ، وهذا الموضوع ليس به مجالٌ للنقاش .. هنــــــــا فقط سأسرد الأبيات .. والنقاش مفتوح وممدود هناك .. والله وليي ونصيري __________________ هَمْهَمَةُ الأَرْصفَةْ .. !!! وتلفتت من حولها .. دعيني .. هل تقبلين .. ؟ الليـــــــــث آمَنْتُ .. بِالنَّزِيفْ !! أَقُبْلَةٌ .. مُكَلِّفَةْ ؟!![center] وبدايةً – كذلك – دعونا إلى الأهم في رأيي
وهي قصيدة ...
[size=29]" سيناريو جاهز "
لنفترضِ الآن أَنَّا سقطنا أَنا والعَدُوُّ سقطنا من الجوِّ في حُفْرة ٍ ... فماذا سيحدثُ ؟
سيناريو جاهزٌ :
في البداية ننتظرُ الحظَّ ... قد يعثُرُ المنقذونَ علينا هنا ويمدّونَ حَبْلَ النجاة لنا فيقول : أَنا أَوَّلاً وأَقول : أَنا أَوَّلاً وَيشْتُمني ثم أَشتمُهُ دون جدوى فلم يصل الحَبْلُ بعد ...
يقول السيناريو :
سأهمس في السرّ : تلك تُسَمَّي أَنانيَّةَ المتفائل ِ دون التساؤل عمَّا يقول عَدُوِّي
أَنا وَهُوَ شريكان في شَرَك ٍ واحد ٍ وشريكان في لعبة الاحتمالات ِ ننتظر الحبلَ ... حَبْلَ النجاة لنمضي على حِدَة ٍ وعلى حافة الحفرة ِ - الهاوية ْ إلي ما تبقَّى لنا من حياة ٍ وحرب ٍ ... إذا ما استطعنا النجاة !
أَنا وَهُوَ خائفان معاً ولا نتبادل أَيَّ حديث ٍ عن الخوف ... أَو غيرِهِ فنحن عَدُوَّانِ ...
ماذا سيحدث لو أَنَّ أَفعى أطلَّتْ علينا هنا من مشاهد هذا السيناريو وفَحَّتْ لتبتلع الخائِفَيْن ِ معاً أَنا وَهُوَ ؟
يقول السيناريو : أَنا وَهُوَ سنكون شريكين في قتل أَفعى لننجو معاً أَو على حِدَة ٍ ...
ولكننا لن نقول عبارة شُكـْر ٍ وتهنئة ٍ على ما فعلنا معاً لأنَّ الغريزةَ - لا نحن - كانت تدافع عن نفسها وَحْدَها والغريزة ُ ليست لها أَيديولوجيا ...
| |
|
| |
Admin Admin
المساهمات : 276 تاريخ التسجيل : 08/07/2008 العمر : 46 الموقع : www.shreef2010.ahlamountada.com
| موضوع: اخر كتابات محمود درويش الجمعة أغسطس 15, 2008 5:00 am | |
| ولم نتحاورْ ، تذكَّرْتُ فِقْهَ الحوارات في العَبَث ِ المـُشْتَرَكْ عندما قال لي سابقاً : كُلُّ ما صار لي هو لي وما هو لك ْ هو لي ولك ْ !
ومع الوقت ِ ، والوقتُ رَمْلٌ ورغوة ُ صابونة ٍ كسر الصمتَ ما بيننا والمللْ قال لي : ما العملْ؟ قلت : لا شيء ... نستنزف الاحتمالات قال : من أَين يأتي الأملْ ؟ قلت : يأتي من الجوّ قال : أَلم تَنْسَ أَني دَفَنْتُكَ في حفرة ٍ مثل هذى ؟ فقلت له : كِدْتُ أَنسى لأنَّ غداً خُـلَّبـاً شدَّني من يدي ... ومضى متعباً قال لي : هل تُفَاوضني الآن ؟ قلت : على أَيّ شيء تفاوضني الآن في هذه الحفرةِ القبر ِ ؟ قال : على حصَّتي وعلى حصّتك من سُدَانا ومن قبرنا المشتركْ قلت : ما الفائدة ْ ؟ هرب الوقتُ منّا وشذَّ المصيرُ عن القاعدة ْ ههنا قاتلٌ وقتيل ينامان في حفرة واحدة ْ وعلي شاعر آخر أن يتابع هذا السيناريو .. إلى آخره ْ ! | |
|
| |
Admin Admin
المساهمات : 276 تاريخ التسجيل : 08/07/2008 العمر : 46 الموقع : www.shreef2010.ahlamountada.com
| موضوع: اخر كتابات محمود درويش الجمعة أغسطس 15, 2008 5:01 am | |
| أما القراءات والنقاشات الأدبية والقراءات النقدية التي قرأتها .. فكانت تنصب على شيئين لا ثالث لهما ، أولهما ما إذا كان الشاعر الفلسطيني يعني بطرفي النزاع في قصيدته طرفي النزاع البَدَهيَّيْن .. أعني " فلسطين " صاحبة كل الحق و " إسرا... " سالبته منها .. أم يقصد من الطرفين " فتح وحماس " معاتباً إياهما في القصيدة .
كعادة الندوات والمنتديات الثقافية في حاضرنا .. فقد انفجر المسرح تصفيقاً وضحكاً بدون تروي على المشهد الأزلي للقصيدة ، إن رؤية " درويش " – رحمه الله – للنص ليست فلسفية .. ولا متروكة .. ولا حتى يبحث فيها عن أن يكمل شاعرٌ آخر النص من بعده ..
هنا بالفعل يبحث " درويش " القضية الفلسطينية .. ويؤكد على الصراع بين دولة " فلسطين " و إسرا :
عندما قال لي سابقاً : كُلُّ ما صار لي هو لي وما هو لك ْ هو لي ولك ْ ! يتضح هذا في النص .. وكأنه يتحدث عن الإقطاعيات .. وتدلل الأشداق الفلسطينية المسؤولة وراء صفقة رابحة عبر السنين .. وأنه دوماً هذا العدو يأخذ على عاتقه حمل الظلم وحمل الاعتداء .. حتى ليفكر في الاعتداء على إقطاعية الشاعر من الحفرة . لم يبحث شاعرنا في قضية السلام البتة .. ولم يكن ليسعى إليها وهو حاربها سنيناً وسنيناً طوال ، بل هو يوضح بالفعل أن هذا الـ لا بشر .. لم تؤثر فيه حكايتهما .. ويبتزني وكلانا ضائعين ... شدَّني من يدي ... ومضى متعباً قال لي : هل تُفَاوضني الآن ؟ قلت : على أَيّ شيء تفاوضني الآن في هذه الحفرةِ القبر ِ ؟ قال : على حصَّتي وعلى حصّتك من سُدَانا ومن قبرنا المشتركْ ربما ما دقع الرأي العام – عامةً – للنظر نحو أن يعني " درويش " فتح وحماس المتآزرتين بدلاً من معركة التاريخ والتأريخ هو ذكره للأفعى ، تلك الأفعى التي تنقض على كليهما معاً .. فيقتلانها .. معاً !! أَنا وَهُوَ سنكون شريكين في قتل أَفعى لننجو معاً أَو على حِدَة ٍ ... بالطبع لا يعني إحدى الفلسطينيتين وحدها دون الأخرى .. فكلاهما ناجيتين في حال قتل الأفعى .. كما أن الخلاف ما كان ليكون لو لم تكن الأفعى .. بل وما كانا الفلسطينيتين – وهذا تاريخياً – موجودتين لو لم تكن هناك أفعى . إنما يعني أن الغريزة حب البقاء في الذات البشرية ستصحو حين يتهدد كيانها في الوجود ، وستتناسى عدوها حتى تنتهي من هذا العدو الأكبر ، حتى أن عدوها لو مات على يد عدوها .. فهي بالنسبة إليها ضربة حظ !! وعلي شاعر آخر أن يتابع هذا السيناريو .. إلى آخره ْ ! وأخيراً هذه ليست – أبداً – نهاية مفتوحة كما سُردْ ، ولا يسعى الشاعر لأن يكمل أحدٌ قصيدته .. بل كان يعني أن يكملوا الشعراء من بعده مسيرته وأن هذا السيناريو الذي لا ينتهي .. بحاجة لأجيال وأجيال من الأوراق .. وحيواتٌ فوق حياته التي انتهت .. وفي ما يلي بعض رؤى من هنا وهناك | |
|
| |
Admin Admin
المساهمات : 276 تاريخ التسجيل : 08/07/2008 العمر : 46 الموقع : www.shreef2010.ahlamountada.com
| موضوع: اخر كتابات محمود درويش الجمعة أغسطس 15, 2008 5:02 am | |
| يوسف الديك .. الكاتب العربي المعروف
رد يقول .. وقد أخذ على منوال التكملة ...
تقول الحكاية ...
أنا : سقطنا.. هناك معاً
فكيف اجتمعنا ابتداءً لنسقط ؟
سؤالي ..بريء
وإن غاب عن نصّ درويش ..احتمال البراءة !!
سأبدأ من حيث كنّا على الأرضِ
- قبل الحصار - وقبل الصعود للجوّ .. - قبل السقوط ..
أكّنا معاً ؟؟ ومن جاء منّا لحيث العدو يقيم
أنا ..أم عدّوي ؟
وأين التقينا ..؟ وكيف ..؟ لماذا ؟؟؟
بكلّ الظروف .. احتمال ضعيف
( احتوانا فضاءٌ ..سقطنا معاً )
لماذا نؤدلج هذا السقوط ..ومن يستفيد ؟
لديَّ الكثير من الأمهات على اليابسة
بكلّ اهتمامٍ ..ينتظرن النتيجة ...
أمٌّ تزور ثلاث مقابر في كل عيد
وأخرى ... تزور جميع السجون ..
وهل من مزيد .
سأذكر أخوتي .. أصدقائي الشهداء جميعاً
وأنسى ارتباكي هنا ... لو قليلاً
سآخذ رأس عدوي ..شريكي
بكل برودٍ .. ثم ألطمه بالجدار
حتى يغيب
وأجعل من جسمه سلّماً للنجاة
وأعلو عليه .. وأعلو .. وأصعد
ثم أهيل عليه التراب 31/7/2008 | |
|
| |
Admin Admin
المساهمات : 276 تاريخ التسجيل : 08/07/2008 العمر : 46 الموقع : www.shreef2010.ahlamountada.com
| موضوع: اخر كتابات محمود درويش الجمعة أغسطس 15, 2008 5:03 am | |
| شكرا اخي على القصيده الرائعه ورحم الله شاعرنا الفقيد محمود درويش __________________ | |
|
| |
Admin Admin
المساهمات : 276 تاريخ التسجيل : 08/07/2008 العمر : 46 الموقع : www.shreef2010.ahlamountada.com
| موضوع: اخر كتابات محمود درويش الجمعة أغسطس 15, 2008 5:04 am | |
| جدارية محمود درويش
وكأنني قد متُّ قبل الآن... أَعرفُ هذه الرؤيا، وأَعرفُ أَنني أَمضي إلى ما لَسْتُ أَعرفُ. رُبَّما ما زلتُ حيّاً في مكانٍ ما، وأَعرفُ ما أُريدُ... سأصيرُ يوماً ما أُريدُ
سأَصيرُ يوماً فكرةً. لا سَيْفَ يحملُها إلى الأرضِ اليبابِ، ولا كتابَ... كأنَّها مَطَرٌ على جَبَلٍ تَصَدَّعَ من تَفَتُّح عُشْبَةٍ، لا القُوَّةُ انتصرتْ ولا العَدْلُ الشريدُ
سأَصير يوماً ما أُريدُ
سأصير يوماً طائراً، وأَسُلُّ من عَدَمي وجودي. كُلَّما احتَرقَ الجناحانِ اقتربتُ من الحقيقةِ، وانبعثتُ من الرمادِ. أَنا حوارُ الحالمين، عَزَفْتُ عن جَسَدي وعن نفسي لأُكْمِلَ رحلتي الأولى إلى المعنى، فأَحْرَقَني وغاب. أَنا الغيابُ. أَنا السماويُّ الطريدُ.
سأَصير يوماً ما أُريدُ
سأَصير يوماً كرمةً، فَلْيَعْتَصِرني الصيفُ منذ الآن، وليشربْ نبيذي العابرون على ثُرَيَّات المكان السُكَّريِّ! أَنا الرسالةُ والرسولُ أَنا العناوينُ الصغيرةُ والبريدُ
سأَصير يوماً ما أُريدُ
هذا هُوَ اسمُكَ قالتِ امرأةٌ، وغابتْ في مَمَرِّ بياضها
هذا هُوَ اسمُكَ، فاحفظِ اسْمَكَ جَيِّداً! لا تختلفْ مَعَهُ على حَرْفٍ ولا تَعْبَأْ براياتِ القبائلِ، كُنْ صديقاً لاسمك الأُفُقِيِّ جَرِّبْهُ مع الأحياء والموتى ودَرِّبْهُ على النُطْق الصحيح برفقة الغرباء واكتُبْهُ على إحدى صُخُور الكهف، يا اسمي: سوف تكبَرُ حين أَكبَرُ سوف تحمِلُني وأَحملُكَ الغريبُ أَخُ الغريب سنأخُذُ الأُنثى بحرف العِلَّة المنذور للنايات يا اسمي: أَين نحن الآن؟ قل: ما الآن، ما الغَدُ؟ ما الزمانُ وما المكانُ وما القديمُ وما الجديدُ؟
سنكون يوماً ما نريدُ | |
|
| |
Admin Admin
المساهمات : 276 تاريخ التسجيل : 08/07/2008 العمر : 46 الموقع : www.shreef2010.ahlamountada.com
| موضوع: اخر كتابات محمود درويش الجمعة أغسطس 15, 2008 5:05 am | |
| لا الرحلةُ ابتدأتْ، ولا الدربُ انتهى لم يَبْلُغِ الحكماءُ غربتَهُمْ كما لم يَبْلُغ الغرباءُ حكمتَهمْ ولم نعرف من الأزهار غيرَ شقائقِ النعمانِ، فلنذهب إلى أَعلى الجداريات: أَرضُ قصيدتي خضراءُ، عاليةُ، كلامُ الله عند الفجر أَرضُ قصيدتي وأَنا البعيدُ أَنا البعيدُ
في كُلِّ ريحٍ تَعْبَثُ امرأةٌ بشاعرها - خُذِ الجهةَ التي أَهديتني الجهةَ التي انكَسَرتْ، وهاتِ أُنوثتي، لم يَبْقَ لي إلاّ التَأمُّلُ في تجاعيد البُحَيْرَة. خُذْ غدي عنِّي وهاتِ الأمس، واتركنا معاً لا شيءَ، بعدَكَ، سوف يرحَلُ أَو يَعُودُ
- وخُذي القصيدةَ إن أَردتِ فليس لي فيها سواكِ خُذي (( أَنا )) كِ . سأُكْملُ المنفى بما تركَتْ يداكِ من الرسائل لليمامِ. فأيُّنا منا (( أَنا )) لأكون آخرَها؟ ستسقطُ نجمةٌ بين الكتابة والكلامِ وتَنْشُرُ الذكرى خواطرها: وُلِدْنا في زمان السيف والمزمار بين التين والصُبَّار. كان الموتُ أَبطأَ. كان أَوْضَح. كان هُدْنَةَ عابرين على مَصَبِّ النهر. أَما الآن، فالزرُّ الإلكترونيُّ يعمل وَحْدَهُ. لا قاتلٌ يُصْغي إلى قتلى. ولا يتلو وصيَّتَهُ شهيدُ | |
|
| |
Admin Admin
المساهمات : 276 تاريخ التسجيل : 08/07/2008 العمر : 46 الموقع : www.shreef2010.ahlamountada.com
| موضوع: اخر كتابات محمود درويش الجمعة أغسطس 15, 2008 5:05 am | |
| من أَيِّ ريح جئتِ؟ قولي ما اسمُ جُرْحِكِ أَعرفِ الطُرُقَ التي سنضيع فيها مَرّتيْنِ! وكُلُّ نَبْضٍ فيكِ يُوجعُني، ويُرْجِعُني إلى زَمَنٍ خرافيّ. ويوجعني دمي والملحُ يوجعني… ويوجعني الوريدُ
في الجرّة المكسورةِ انتحبتْ نساءُ الساحل السوريّ من طول المسافةِ، واحترقْنَ بشمس آبَ. رأيتُهنَّ على طريق النبع قبل ولادتي. وسمعتُ صَوْتَ الماء في الفخّار يبكيهنّ: عُدْنَ إلى السحابة يرجعِ الزَمَنُ الرغيدُ
قال الصدى: لا شيء يرجعُ غيرُ ماضي الأقوياء على مِسلاَّت المدى… [ ذهبيّةٌٌ آثارُهُمْ ذهبيّةٌٌ] ورسائلِ الضعفاءِ للغَدِ، أَعْطِنا خُبْزَ الكفاف، وحاضراً أَقوى. فليس لنا التقمُّصُ والحُلُولُ ولا الخُلُودُ
قال الصدى: وتعبتُ من أَملي العُضَال. تعبتُ من شَرَك الجماليّات: ماذا بعد بابلَ؟ كُلَّما اتَّضَحَ الطريقُ إلى السماء، وأَسْفَرَ المجهولُ عن هَدَفٍ نهائيّ تَفَشَّى النثرُ في الصلوات، وانكسر النشيدُ | |
|
| |
Admin Admin
المساهمات : 276 تاريخ التسجيل : 08/07/2008 العمر : 46 الموقع : www.shreef2010.ahlamountada.com
| موضوع: اخر كتابات محمود درويش الجمعة أغسطس 15, 2008 5:06 am | |
| خضراءُ، أَرضُ قصيدتي خضراءُ عاليةٌ… تُطِلُّ عليَّ من بطحاء هاويتي… غريبٌ أَنتَ في معناك. يكفي أَن تكون هناك، وحدك، كي تصيرَ قبيلةً… غَنَّيْتُ كي أَزِنَ المدى المهدُورَ في وَجَع الحمامةِ، لا لأَشْرَحَ ما يقولُ اللهُ للإنسان، لَسْتُ أَنا النبيَّ لأَدَّعي وَحْياً وأُعْلِنَ أَنَّ هاويتي صُعُودُ
وأَنا الغريب بكُلِّ ما أُوتيتُ من لُغَتي. ولو أخضعتُ عاطفتي بحرف الضاد، تخضعني بحرف الياء عاطفتي، وللكلمات وَهيَ بعيدةٌ أَرضٌ تُجاوِرُ كوكباً أَعلى. وللكلمات وَهيَ قريبةٌ منفى. ولا يكفي الكتابُ لكي أَقول: وجدتُ نفسي حاضراً مِلْءَ الغياب. وكُلَّما فَتَّشْتُ عن نفسي وجدتُ الآخرين. وكُلَّما فتَّشْتُ عَنْهُمْ لم أَجد فيهم سوى نَفسي الغريبةِ، هل أَنا الفَرْدُ الحُشُودُ؟
وأَنا الغريبُ . تَعِبْتُ من ”درب الحليب” إلى الحبيب. تعبتُ من صِفتي. يَضيقُ الشَّكْلُ. يَتّسعُ الكلامُ. أُفيضُ عن حاجات مفردتي. وأَنْظُرُ نحو نفسي في المرايا: هل أَنا هُوَ؟ هل أُؤدِّي جَيِّداً دَوْرِي من الفصل الأخيرِ؟ وهل قرأتُ المسرحيَّةَ قبل هذا العرض، أَم فُرِضَتْ عليَّ؟ وهل أَنا هُوَ من يؤدِّي الدَّوْرَ أَمْ أَنَّ الضحيَّة غَيَّرتْ أَقوالها لتعيش ما بعد الحداثة، بعدما انْحَرَفَ المؤلّفُ عن سياق النصِّ وانصرَفَ المُمَثّلُ والشهودُ ؟ | |
|
| |
Admin Admin
المساهمات : 276 تاريخ التسجيل : 08/07/2008 العمر : 46 الموقع : www.shreef2010.ahlamountada.com
| موضوع: اخر كتابات محمود درويش الجمعة أغسطس 15, 2008 5:08 am | |
| وجلستُ خلف الباب أَنظُرُ: هل أَنا هُوَ؟ هذه لُغَتي. وهذا الصوت وَخْزُ دمي ولكن المؤلِّف آخَرٌ… أَنا لستُ مني إن أَتيتُ ولم أَصِلْ أَنا لستُ منِّي إن نَطَقْتُ ولم أَقُلْ أَنا مَنْ تَقُولُ له الحُروفُ الغامضاتُ: اكتُبْ تَكُنْ! واقرأْ تَجِدْ! وإذا أردْتَ القَوْلَ فافعلْ، يَتَّحِدْ ضدَّاكَ في المعنى… وباطِنُكَ الشفيفُ هُوَ القصيدُ
بَحَّارَةٌ حولي، ولا ميناء أَفرغني الهباءُ من الإشارةِ والعبارةِ، لم أَجد وقتاً لأعرف أَين مَنْزِلَتي، الهُنَيْهةَ، بين مَنْزِلَتَيْنِ. لم أَسأل سؤالي، بعد، عن غَبَش التشابُهِ بين بابَيْنِ: الخروج أم الدخول… ولم أَجِدْ موتاً لأقْتَنِصَ الحياةَ. ولم أَجِدْ صوتاً لأَصرخَ: أَيُّها الزَمَنُ السريعُ! خَطَفْتَني مما تقولُ لي الحروفُ الغامضاتُ: ألواقعيُّ هو الخياليُّ الأَكيدُ | |
|
| |
Admin Admin
المساهمات : 276 تاريخ التسجيل : 08/07/2008 العمر : 46 الموقع : www.shreef2010.ahlamountada.com
| موضوع: اخر كتابات محمود درويش الجمعة أغسطس 15, 2008 5:09 am | |
| يا أيها الزَمَنُ الذي لم ينتظِرْ… لم يَنْتَظِرْ أَحداً تأخَّر عن ولادتِهِ، دَعِ الماضي جديداً، فَهْوَ ذكراكَ الوحيدةُ بيننا، أيَّامَ كنا أَصدقاءك، لا ضحايا مركباتك. واترُكِ الماضي كما هُوَ، لا يُقَادُ ولا يَقُودُ
ورأيتُ ما يتذكَّرُ الموتى وما ينسون… هُمْ لا يكبرون ويقرأون الوَقْتَ في ساعات أيديهمْ. وَهُمْ لا يشعرون بموتنا أَبداً ولا بحياتهِمْ. لا شيءَ ممَّا كُنْتُ أو سأكونُ. تنحلُّ الضمائرُ كُلُّها. ”هو” في ”أنا” في ”أَنت”. لا كُلٌّ ولا جُزْءٌ. ولا حيٌّ يقول لميِّتٍ: كُنِّي!
..وتنحلُّ العناصرُ والمشاعرُ. لا أَرى جَسَدي هُنَاكَ، ولا أُحسُّ بعنفوان الموت، أَو بحياتيَ الأُولى. كأنِّي لَسْتُ منّي. مَنْ أَنا؟ أَأَنا الفقيدُ أَم الوليدُ؟ | |
|
| |
Admin Admin
المساهمات : 276 تاريخ التسجيل : 08/07/2008 العمر : 46 الموقع : www.shreef2010.ahlamountada.com
| موضوع: اخر كتابات محمود درويش الجمعة أغسطس 15, 2008 5:09 am | |
| الوقْتُ صِفْرٌ. لم أُفكِّر بالولادة حين طار الموتُ بي نحو السديم، فلم أكُن حَيّاً ولا مَيْتاً، ولا عَدَمٌ هناك، ولا وُجُود
تقولُ مُمَرِّضتي: أَنتَ أَحسَنُ حالاً. وتحقُنُني بالمُخَدِّر: كُنْ هادئاً وجديراً بما سوف تحلُمُ عما قليل…
رأيتُ طبيبي الفرنسيَّ يفتح زنزانتي ويضربني بالعصا يُعَاونُهُ اثنانِ من شُرْطة الضاحيةْ
رأيتُ أَبي عائداً من الحجِّ، مُغمىً عليه مُصَاباً بضربة شمسٍ حجازيّة يقول لرفِّ ملائكةٍ حَوْلَهُ: أَطفئوني!…
رأيتُ شباباً مغاربةً يلعبون الكُرَةْ ويرمونني بالحجارة: عُدْ بالعبارةِ واترُكْ لنا أُمَّنا يا أَبانا الذي أخطَأَ المقبرةْ !
رأيت ”ريني شار” يجلس مع ”هيدغر” على بُعْدِ مترين منِّي، رأيتهما يشربان النبيذَ ولا يبحثان عن الشعر… كان الحوار شُعَاعاً وكان غدٌ عابرٌ ينتظرْ
رأيتُ رفاقي الثلاثَةَ ينتحبونَ وَهُمْ يَخيطونَ لي كَفَناً بخُيوطِ الذَّهَبْ
رأيت المعريَّ يطرد نُقَّادَهُ من قصيدتِهِ: لستُ أَعمى لأُبْصِرَ ما تبصرونْ، فإنَّ البصيرةَ نورٌ يؤدِّي إلى عَدَمٍ…. أَو جُنُونْ
رأيتُ بلاداً تعانقُني بأَيدٍ صَبَاحيّة: كُنْ جديراً برائحة الخبز. كُنْ لائقاً بزهور الرصيفْ فما زال تَنُّورُ أُمِّكَ مشتعلاً، والتحيَّةُ ساخنةً كالرغيفْ! | |
|
| |
Admin Admin
المساهمات : 276 تاريخ التسجيل : 08/07/2008 العمر : 46 الموقع : www.shreef2010.ahlamountada.com
| موضوع: رد: اخر كتابات محمود درويش الجمعة أغسطس 15, 2008 5:10 am | |
| خضراءُ، أَرضُ قصيدتي خضراءُ. نهرٌ واحدٌ يكفي لأهمس للفراشة: آهِ، يا أُختي، ونَهْرٌ واحدٌ يكفي لإغواءِ الأساطير القديمة بالبقاء على جناح الصَّقْر، وَهْوَ يُبَدِّلُ الراياتِ والقممَ البعيدةَ، حيث أَنشأتِ الجيوشُ ممالِكَ النسيان لي. لا شَعْبَ أَصْغَرُ من قصيدته. ولكنَّ السلاحَ يُوَسِّعُ الكلمات للموتى وللأحياء فيها، والحُرُوفَ تُلَمِّعُ السيفَ المُعَلَّقَ في حزام الفجر، والصحراء تنقُصُ بالأغاني، أَو تزيدُ
لا عُمْرَ يكفي كي أَشُدَّ نهايتي لبدايتي أَخَذَ الرُّعَاةُ حكايتي وتَوَغَّلُوا في العشب فوق مفاتن الأنقاض، وانتصروا على النسيان بالأَبواق والسَّجَع المشاع، وأَورثوني بُحَّةَ الذكرى على حَجَرِ الوداع، ولم يعودوا…
رَعَويَّةٌ أَيَّامنا رَعَويَّةٌ بين القبيلة والمدينة، لم أَجد لَيْلاً خُصُوصِيّاً لهودجِكِ المُكَلَّلِ بالسراب، وقلتِ لي: ما حاجتي لاسمي بدونكَ؟ نادني، فأنا خلقتُكَ عندما سَمَّيْتَني، وقتلتَني حين امتلكتَ الاسمَ… كيف قتلتَني؟ وأَنا غريبةُ كُلِّ هذا الليل، أَدْخِلْني إلى غابات شهوتك، احتضنِّي واعْتَصِرْني، واسفُك العَسَلَ الزفافيَّ النقيَّ على قفير النحل. بعثرني بما ملكتْ يداك من الرياح ولُمَّني. فالليل يُسْلِمُ روحَهُ لك يا غريبُ، ولن تراني نجمةٌ إلاّ وتعرف أَنَّ عائلتي ستقتلني بماء اللازوردِ، فهاتِني ليكونَ لي - وأَنا أُحطِّمُ جَرَّتي بيديَّ - حاضِريَ السعيدُ
- هل قُلْتَ لي شيئاً يُغَيِّر لي سبيلي؟ - لم أَقُلْ. كانت حياتي خارجي أَنا مَنْ يُحَدِّثُ نفسَهُ: وَقَعَتْ مُعَلَّقتي الأَخيرةُ عن نخيلي وأَنا المُسَافِرُ داخلي وأَنا المُحَاصَرُ بالثنائياتِ، لكنَّ الحياة جديرَةٌ بغموضها وبطائرِ الدوريِّ… لم أُولَدْ لأَعرفَ أَنني سأموتُ، بل لأُحبَّ محتوياتِ ظلِّ اللهِ يأخُذُني الجمالُ إلى الجميلِ وأُحبُّ حُبَّك، هكذا متحرراً من ذاتِهِ وصفاتِهِ وأِنا بديلي… | |
|
| |
Admin Admin
المساهمات : 276 تاريخ التسجيل : 08/07/2008 العمر : 46 الموقع : www.shreef2010.ahlamountada.com
| موضوع: اخر كتابات محمود درويش الجمعة أغسطس 15, 2008 5:11 am | |
| أَنا من يُحَدِّثُ نَفْسَهُ: مِنْ أَصغر الأشياءِ تُولَدُ أكبرُ الأفكار والإيقاعُ لا يأتي من الكلمات، بل مِنْ وحدة الجَسَدَيْنِ في ليلٍ طويلٍ…
أَنا مَنْ يحدِّثُ نَفْسَهُ ويروِّضُ الذكرى… أَأَنتِ أَنا؟ وثالثُنا يرفرف بيننا ”لا تَنْسَيَاني دائماً” يا مَوْتَنا! خُذْنَا إليكَ على طريقتنا، فقد نتعلَّمُ الإشراق… لا شَمْسٌ ولا قَمَرٌ عليَّ تركتُ ظلِّي عالقاً بغصون عَوْسَجَةٍ فخفَّ بِيَ المكانُ وطار بي روحي الشَّرُودُ
أَنا مَنْ يحدِّثُ نفسَهُ: يا بنتُ: ما فَعَلَتْ بكِ الأشواقُ؟ إن الريح تصقُلُنا وتحملنا كرائحة الخريفِ، نضجتِ يا امرأتي على عُكَّازَتيَّ، بوسعك الآن الذهابُ على ”طريق دمشق” واثقةً من الرؤيا. مَلاَكٌ حارسٌ وحمامتان ترفرفان على بقيَّة عمرنا، والأرضُ عيدُ…
الأرضُ عيدُ الخاسرين [ونحن منهُمْ] نحن من أَثَرِ النشيد الملحميِّ على المكان، كريشةِ النَّسْرِ العجوز خيامُنا في الريح. كُنَّا طيِّبين وزاهدين بلا تعاليم المسيح. ولم نكُنْ أَقوى من الأعشابِ إلاّ في ختام الصَيْفِ، أَنتِ حقيقتي، وأَنا سؤالُكِ لم نَرِثْ شيئاً سوى اسْميْنَا وأَنتِ حديقتي، وأَنا ظلالُكِ عند مفترق النشيد الملحميِّ… ولم نشارك في تدابير الإلهات اللواتي كُنَّ يبدأن النشيد بسحرهنَّ وكيدهنَّ. وكُنَّ يَحْمِلْنَ المكانَ على قُرُون الوعل من زَمَنِ المكان إلى زمان آخرٍ…
كنا طبيعيِّين لو كانت نجومُ سمائنا أَعلى قليلاً من حجارة بئرنا، والأَنبياءُ أَقلَّ إلحاحاً، فلم يسمع مدائحَنا الجُنُودُ… | |
|
| |
Admin Admin
المساهمات : 276 تاريخ التسجيل : 08/07/2008 العمر : 46 الموقع : www.shreef2010.ahlamountada.com
| موضوع: اخر كتابات محمود درويش الجمعة أغسطس 15, 2008 5:12 am | |
| خضراءُ، أرضُ قصيدتي خضراءُ يحملُها الغنائيّون من زَمَنٍ إلى زَمَنٍ كما هِيَ في خُصُوبتها. ولي منها: تأمُّلُ نَرْجسٍ في ماء صُورَتِهِ ولي منها وُضُوحُ الظلِّ في المترادفات ودقَّةُ المعنى… ولي منها: التَّشَابُهُ في كلام الأَنبياءِ على سُطُوح الليلِ لي منها: حمارُ الحكمةِ المنسيُّ فوق التلِّ يسخَرُ من خُرافتها وواقعها… ولي منها: احتقانُ الرمز بالأضدادِ لا التجسيدُ يُرجِعُها من الذكرى ولا التجريدُ يرفَعُها إلى الإشراقة الكبرى ولي منها: ”أَنا” الأُخرى تُدَوِّنُ في مُفَكِّرَة الغنائيِّين يوميَّاتها: ((إن كان هذا الحُلْمُ لا يكفي فلي سَهَرٌ بطوليٌّ على بوابة المنفى…)) ولي منها: صَدَى لُغتي على الجدران يكشِطُ مِلْحَهَا البحريَّ حين يخونني قَلْبٌ لَدُودُ
َعلى من الأَغوار كانت حكمتي إذ قلتُ للشيطان: لا. لا تَمْتَحِنِّي! لا تَضَعْني في الثُّنَائيّات، واتركني كما أَنا زاهداً برواية العهد القديم وصاعداً نحو السماء، هُنَاكَ مملكتي خُذِ التاريخَ، يا ابنَ أَبي، خُذِ التاريخَ… واصنَعْ بالغرائز ما تريدُ
وَلِيَ السكينةُ. حَبَّةُ القمح الصغيرةُ سوف تكفينا، أَنا وأَخي العَدُوّ، فساعتي لم تَأْتِ بَعْدُ. ولم يَحِنْ وقتُ الحصاد. عليَّ أَن أَلِجَ الغيابَ وأَن أُصدِّقَ أوَّلاً قلبي وأتبعَهُ إلى قانا الجليل. وساعتي لم تأتِ بَعْدُ. لَعَلَّ شيئاً فيَّ ينبُذُني. لعلِّي واحدٌ غيري. فلم تنضج كُرومُ التين حول ملابس الفتيات بَعْدُ. ولم تَلِدْني ريشةُ العنقاء. لا أَحَدٌ هنالك في انتظاري. جئْتُ قبل، وجئتُ بعد، فلم أَجد أحداً يُصَدِّق ما أرى. أنا مَنْ رأى. وأَنا البعيدُ أَنا البعيدُ | |
|
| |
Admin Admin
المساهمات : 276 تاريخ التسجيل : 08/07/2008 العمر : 46 الموقع : www.shreef2010.ahlamountada.com
| موضوع: اخر كتابات محمود درويش الجمعة أغسطس 15, 2008 5:12 am | |
| مَنْ أَنتَ، يا أَنا؟ في الطريقِ اثنانِ نَحْنُ، وفي القيامة واحدٌ. خُذْني إلى ضوء التلاشي كي أَرى صَيْرُورتي في صُورَتي الأُخرى. فَمَنْ سأكون بعدَكَ، يا أَنا؟ جَسَدي ورائي أم أَمامَكَ؟ مَنْ أَنا يا أَنت؟ كَوِّنِّي كما كَوَّنْتُكَ، ادْهَنِّي بزيت اللوز، كَلِّلني بتاج الأرز. واحملني من الوادي إلى أَبديّةٍ بيضاءَ. عَلِّمني الحياةَ على طريقتِكَ، اختَبِرْني ذَرَّةً في العالم العُلْوِيِّ. ساعِدْني على ضَجَر الخلود، وكُنْ رحيماً حين تجرحني وتبزغ من شراييني الورودُ
لم تأت ساعتُنا. فلا رُسُلٌ يَقِيسُونَ الزمانَ بقبضة العشب الأخير. هل استدار؟ ولا ملائكةٌ يزورون المكانَ ليتركَ الشعراءُ ماضِيَهُمْ على الشَّفَق الجميل، ويفتحوا غَدَهُمْ بأيديهمْ. فغنِّي يا إلهتيَ الأثيرةَ، يا عناةُ، قصيدتي الأُولى عن التكوين ثانيةً… فقد يجدُ الرُّوَاةُ شهادةَ الميلاد للصفصاف في حَجَرٍ خريفيّ. وقد يجدُ الرعاةُ البئرَ في أَعماق أُغنية. وقد تأتي الحياةُ فجاءةً للعازفين عن المعاني من جناح فراشةٍ عَلِقَتْ بقافيةٍ، فغنِّي يا إلهتيَ الأَثيرةَ يا عناةُ، أَنا الطريدةُ والسهامُ، أَنا الكلامُ. أَنا المؤبِّنُ والمؤذِّنُ والشهيدُ
ما قلتُ للطَّلَلِ: الوداع. فلم أَكُنْ ما كُنْتُ إلاّ مَرَّةً. ما كُنْتُ إلاّ مرَّةً تكفي لأَعرف كيف ينكسرُ الزمانُ كخيمة البدويِّ في ريح الشمال، وكيف يَنْفَطِرُ المكانُ ويرتدي الماضي نُثَارَ المعبد المهجور. يُشبهُني كثيراً كُلُّ ما حولي، ولم أُشْبِهْ هنا شيئاً. كأنَّ الأرض ضَيِّقَةٌ على المرضى الغنائيِّين، أَحفادِ الشياطين المساكين المجانين الذين إذا رأوا حُلْماً جميلاً لَقَّنُوا الببغاءَ شِعْر الحب، وانفتَحتْ أَمامَهُمُ الحُدُودُ | |
|
| |
Admin Admin
المساهمات : 276 تاريخ التسجيل : 08/07/2008 العمر : 46 الموقع : www.shreef2010.ahlamountada.com
| موضوع: اخر كتابات محمود درويش الجمعة أغسطس 15, 2008 5:13 am | |
| وأُريدُ أُن أُحيا… فلي عَمَلٌ على ظهر السفينة. لا لأُنقذ طائراً من جوعنا أَو من دُوَارِ البحر، بل لأُشاهِدَ الطُوفانَ عن كَثَبٍ: وماذا بعد؟ ماذا يفعَلُ الناجونَ بالأرض العتيقة؟ هل يُعيدونَ الحكايةَ؟ ما البدايةُ؟ ما النهايةُ؟ لم يعد أَحَدٌ من الموتى ليخبرنا الحقيقة… أَيُّها الموتُ انتظرني خارج الأرض، انتظرني في بلادِكَ، ريثما أُنهي حديثاً عابراً مَعَ ما تبقَّى من حياتي قرب خيمتكَ، انتظِرْني ريثما أُنهي قراءةَ طَرْفَةَ بنِ العَبْد. يُغْريني الوجوديّون باستنزاف كُلِّ هُنَيْهَةٍ حريةً، وعدالةً، ونبيذَ آلهةٍ… فيا مَوْتُ! انتظرني ريثما أُنهي تدابيرَ الجنازة في الربيع الهَشّ، حيث وُلدتُ، حيث سأمنع الخطباء من تكرار ما قالوا عن البلد الحزين وعن صُمُود التينِ والزيتونِ في وجه الزمان وجيشِهِ. سأقول: صُبُّوني بحرف النون، حيث تَعُبُّ روحي سورةُ الرحمن في القرآن. وامشوا صامتين معي على خطوات أَجدادي ووقع الناي في أَزلي. ولا تَضَعُوا على قبري البنفسجَ، فَهْوَ زَهْرُ المُحْبَطين يُذَكِّرُ الموتى بموت الحُبِّ قبل أَوانِهِ. وَضَعُوا على التابوتِ سَبْعَ سنابلٍ خضراءَ إنْ وُجِدَتْ، وبَعْضَ شقائقِ النُعْمانِ إنْ وُجِدَتْ. وإلاّ ، فاتركوا وَرْدَ الكنائس للكنائس والعرائس أَيُّها الموت انتظر! حتى أُعِدَّ حقيبتي: فرشاةَ أسناني، وصابوني وماكنة الحلاقةِ، والكولونيا، والثيابَ. هل المناخُ هُنَاكَ مُعْتَدِلٌ؟ وهل تتبدَّلُ الأحوالُ في الأبدية البيضاء، أم تبقى كما هِي في الخريف وفي الشتاء؟ وهل كتابٌ واحدٌ يكفي لِتَسْلِيَتي مع اللاَّ وقتِ، أمْ أَحتاجُ مكتبةً؟ وما لُغَةُ الحديث هناك، دارجةٌ لكُلِّ الناس أَم عربيّةٌ فُصْحى | |
|
| |
Admin Admin
المساهمات : 276 تاريخ التسجيل : 08/07/2008 العمر : 46 الموقع : www.shreef2010.ahlamountada.com
| موضوع: اخر كتابات محمود درويش الجمعة أغسطس 15, 2008 5:14 am | |
| ..ويا مَوْتُ انتظرْ، يا موتُ، حتى أستعيدَ صفاءَ ذِهْني في الربيع وصحّتي، لتكون صيَّاداً شريفاً لا يَصيدُ الظَّبْيَ قرب النبع. فلتكنِ العلاقةُ بيننا وُدّيَّةً وصريحةً: لَكَ أنَتَ مالَكَ من حياتي حين أَملأُها.. ولي منك التأمُّلُ في الكواكب: لم يَمُتْ أَحَدٌ تماماً، تلك أَرواحٌ تغيِّر شَكْلَها ومُقَامَها يا موت! يا ظلِّي الذي سيقودُني، يا ثالثَ الاثنين، يا لَوْنَ التردُّد في الزُمُرُّد والزَّبَرْجَدِ، يا دَمَ الطاووس، يا قَنَّاصَ قلب الذئب، يا مَرَض الخيال! اجلسْ على الكرسيّ! ضَعْ أَدواتِ صيدكَ تحت نافذتي. وعلِّقْ فوق باب البيت سلسلةَ المفاتيح الثقيلةَ! لا تُحَدِّقْ يا قويُّ إلى شراييني لترصُدَ نُقْطَةَ الضعف الأَخيرةَ. أَنتَ أَقوى من نظام الطبّ. أَقوى من جهاز تَنَفُّسي. أَقوى من العَسَلِ القويّ، ولَسْتَ محتاجاً -لتقتلني- إلى مَرَضي. فكُنْ أَسْمَى من الحشرات. كُنْ مَنْ أَنتَ، شفَّافاً بريداً واضحاً للغيب. كن كالحُبِّ عاصفةً على شجر، ولا تجلس على العتبات كالشحَّاذ أو جابي الضرائبِ. لا تكن شُرطيّ سَيْرٍ في الشوارع. كن قويّاً، ناصعَ الفولاذ، واخلَعْ عنك أَقنعةَ الثعالب. كُنْ فروسياً، بهياً، كامل الضربات. قُلْ ما شئْتَ " من معنى إلى معنى أَجيءُ. هِيَ الحياةُ سُيُولَةٌ، وأَنا أكثِّفُها، أُعرِّفُها بسُلْطاني وميزاني " ويا مَوْتُ انتظرْ، واجلس على الكرسيّ. خُذْ كأسَ النبيذ، ولا تفاوِضْني، فمثلُكَ لا يُفاوِضُ أَيَّ إنسانٍ، ومثلي لا يعارضُ خادمَ الغيبِ. استرح… فَلَرُبَّما أُنْهِكْتَ هذا اليوم من حرب النجوم. فمن أَنا لتزورني؟ أَلَدَيْكَ وَقْتٌ لاختبار قصيدتي. لا. ليس هذا الشأنُ شأنَكَ. أَنت مسؤولٌ عن الطينيِّ في البشريِّ، لا عن فِعْلِهِ أو قَوْلِهِ هَزَمَتْكَ يا موت الفنون جميعُها هزمتك يا موت الأغاني في بلاد الرافدين. مِسَلَّةُ المصريّ، مقبرةُ الفراعنةِ النقوشُ على حجارة معبدٍ هَزَمَتْكَ وانتصرتْ، وأِفْلَتَ من كمائنك الخُلُودُ ... فاصنع بنا، واصنع بنفسك ما تريدُ | |
|
| |
Admin Admin
المساهمات : 276 تاريخ التسجيل : 08/07/2008 العمر : 46 الموقع : www.shreef2010.ahlamountada.com
| موضوع: اخر كتابات محمود درويش الجمعة أغسطس 15, 2008 5:15 am | |
| يا موت، هل هذا هو التاريخُ، صِنْوُكَ أَو عَدُوُّك، صاعداً ما بين هاويتين؟ قد تبني الحمامة عُشَّها وتبيضُ في خُوَذ الحديد. وربما ينمو نباتُ الشِّيحِ في عَجَلاتِ مَرْكَبَةٍ مُحَطَّمةٍ. فماذا يفعل التاريخُ، صنوُكَ أو عَدُوُّكَ، بالطبيعة عندما تتزوَّجُ الأرضَ السماءُ وتذرفُ المَطَرَ المُقَدَّسَ؟
أَيها الموت، انتظرني عند باب البحر في مقهى الرومانسيِّين. لم أَرجِعْ وقد طاشَتْ سهامُكَ مَرَّةً إلاّ لأُودِعَ داخلي في خارجي، وأُوزِّعَ القمح الذي امتلأتْ به رُوحي على الشحرور حطَّ على يديَّ وكاهلي، وأُودِّعَ الأرضَ التي تمتصُّني ملحاً، وتنثرني حشيشاً للحصان وللغزالة. فانتظرني ريثما أُنهي زيارتي القصيرة للمكان وللزمان، ولا تُصَدِّقْني أَعودُ ولا أَعودُ وأَقول: شكراً للحياة! ولم أكن حَيّاً ولا مَيْتاً ووحدك، كنتَ وحدك، يا وحيدُ!
تقولُ مُمَرِّضتي: كُنْتَ تهذي كثيراً، وتصرخُ: يا قلبُ! يا قَلْبُ! خُذْني إلى دَوْرَة الماءِ…
ما قيمةُ الروح إن كان جسمي مريضاً، ولا يستطيعُ القيامَ بواجبه الأوليِّ؟ فيا قلبُ، يا قلبُ أَرجعْ خُطَايَ إليَّ، لأَمشي إلى دورة الماء وحدي!
نسيتُ ذراعيَّ، ساقيَّ، والركبتين وتُفَّاحةَ الجاذبيَّةْ نسيتُ وظيفةَ قلبي وبستانَ حوَّاءَ في أَوَّل الأبديَّةْ نسيتُ وظيفةَ عضوي الصغير نسيتُ التنفُّسَ من رئتيّ. نسيتُ الكلام أَخاف على لغتي فاتركوا كُلَّّ شيء على حالِهِ وأَعيدوا الحياة إلى لُغَتي!..
تقول مُمَرِّضتي: كُنْتَ تهذي كثيراً، وتصرخ بي قائلاً: لا أُريدُ الرجوعَ إلى أَحَد لا أُريدُ الرجوعَ إلى بلد بعد هذا الغياب الطويل… أُريدُ الرجوعَ فَقَطْ إلى لغتي في أقاصي الهديل
تقولُ مُمَرِّضتي: كُنْتَ تهذي طويلاً، وتسألني: هل الموتُ ما تفعلين بي الآنَ أَم هُوَ مَوْتُ اللُغَةْ؟ | |
|
| |
Admin Admin
المساهمات : 276 تاريخ التسجيل : 08/07/2008 العمر : 46 الموقع : www.shreef2010.ahlamountada.com
| موضوع: اخر كتابات محمود درويش الجمعة أغسطس 15, 2008 5:15 am | |
| وأَنا أُريدُ ، أريدُ أَن أَحيا… فلي عَمَلٌ على جغرافيا البركان. من أَيام لوط إلى قيامة هيروشيما واليبابُ هو اليبابُ. كأنني أَحيا هنا أَبداً، وبي شَبَقٌ إلى ما لست أَعرف. قد يكون ”الآن” أَبعَد. قد يكونُ الأمس أَقربَ. والغَدُ الماضي. ولكني أَشدُّ ”الآن” من يَدِهِ ليعبُرَ قربيَ التاريخُ، لا الزَّمَنُ المُدَوَّرُ، مثل فوضى الماعز الجبليِّ. هل أنجو غداً من سرعة الوقت الإلكترونيّ، أَم أَنجو غداً من بُطْء قافلتي على الصحراء؟ لي عَمَلٌ لآخرتي كأني لن أَعيش غداً. ولي عَمَلٌ ليومٍ حاضرٍ أَبداً. لذا أُصغي، على مَهَلٍ على مَهَل، لصوت النمل في قلبي: أعينوني على جَلَدي. وأَسمع صَرْخَةَ الحَجَر الأسيرةَ: حَرِّروا جسدي. وأُبصرُ في الكمنجة هجرةَ الأشواق من بَلَدٍ تُرَابيّ إلى بَلَدٍ سماويّ. وأَقبضُ في يد الأُنثى على أَبَدِي الأليفِ: خُلِقتُ ثم عَشِقْتُ، ثم زهقت، ثم أَفقتُ في عُشْبٍ على قبري يدلُّ عليَّ من حينٍ إلى حينٍ. فما نَفْعُ الربيع السمح إن لم يُؤْنِس الموتى ويُكْمِلْ بعدهُمْ فَرَحَ الحياةِ ونَضْرةَ النسيان؟ تلك طريقةٌ في فكِّ لغز الشعرِ، شعري العاطفيّ على الأَقلِّ. وما المنامُ سوى طريقنا الوحيدة في الكلام وأَيُّها الموتُ التَبِسْ واجلسْ على بلَّوْرِ أَيامي، كأنَّكَ واحدٌ من أَصدقائي الدائمين، كأنَّكَ المنفيُّ بين الكائنات. ووحدك المنفيُّ. لا تحيا حياتَكَ. ما حياتُكَ غير موتي. لا تعيش ولا تموت. وتخطف الأطفالَ من عَطَشِ الحليب إلى الحليب. ولم تكن طفلاً تهزُّ له الحساسينُ السريرَ، ولم يداعِبْكَ الملائكةُ الصغارُ ولا قُرونُ الأيِّل الساهي، كما فَعَلَتْ لنا نحن الضيوفَ على الفراشة. وحدك المنفيُّ، يا مسكين، لا امرأةٌ تَضُمُّك بين نهديها، ولا امرأةٌ تقاسِمُك الحنين إلى اقتصاد الليل باللفظ الإباحيِّ المرادفِ لاختلاط الأرض فينا بالسماءِ. ولم تَلِدْ وَلَداً يجيئك ضارعاً: أَبتي، أُحبُّكَ. وحدك المنفيُّ، يا مَلِكَ الملوك، ولا مديحَ لصولجانكَ. لا صُقُورَ على حصانك. لا لآلئَ حول تاجك. أَيُّها العاري من الرايات والبُوق المُقَدَّسِ! كيف تمشي هكذا من دون حُرَّاسٍ وجَوْقَةِ منشدين، كَمِشْيَة اللصِّ الجبان. وأَنتَ مَنْ أَنتَ، المُعَظَّمُ، عاهلُ الموتى، القويُّ، وقائدُ الجيش الأَشوريِّ العنيدُ فاصنع بنا، واصنع بنفسك ما تريدُ | |
|
| |
Admin Admin
المساهمات : 276 تاريخ التسجيل : 08/07/2008 العمر : 46 الموقع : www.shreef2010.ahlamountada.com
| موضوع: اخر كتابات محمود درويش الجمعة أغسطس 15, 2008 5:16 am | |
| خضراءُ، أَرضُ قصيدتي خضراءُ، عاليةٌ… على مَهَلٍ أُدوِّنُها، على مَهَلٍ، على وزن النوارس في كتاب الماءِ. أَكتُبُها وأُورِثُها لمنْ يتساءلون: لمنْ نُغَنِّي حين تنتشرُ المُلُوحَةُ في الندى؟… خضراءُ، أكتُبُها على نَثْرِ السنابل في كتاب الحقلِ، قَوَّسَها امتلاءٌ شاحبٌ فيها وفيَّ. وكُلَّما صادَقْتُ أَو آخَيْتُ سُنْبُلةً تَعَلَّمْتُ البقاءَ من الفَنَاء وضدَّه " أَنا حَبَّةُ القمح التي ماتت لكي تَخْضَرَّ ثانيةً. وفي موتي حياةٌ ما… "
كأني لا كأنّي لم يمت أَحَدٌ هناك نيابةً عني. فماذا يحفظُ الموتى من الكلمات غيرَ الشُّكْرِ: ”إنَّ الله يرحَمُنا”… ويُؤْنِسُني تذكُّرُ ما نَسِيتُ مِنَ البلاغة: ”لم أَلِدْ وَلَداً ليحمل مَوْتَ والِدِهِ”… وآثَرْتُ الزواجَ الحُرَّ بين المُفْرَدات… سَتَعْثُرُ الأُنثى على الذَّّكَر المُلائِمِ في جُنُوح الشعر نحو النثر… سوف تشُّبُّ أَعضائي على جُمَّيزَةٍ، ويصُبُّ قلبي ماءَهُ الأَرضيَّ في أَحَدِ الكواكب… مَنْ أَنا في الموت بعدي؟ مَنْ أَنا في الموت قبلي قال طيفٌ هامشيٌّ: ((كان أوزيريسُ مثْلَكَ، كان مثلي. وابنُ مَرْيَمَ كان مثلَكَ، كان مثلي. بَيْدَ أَنَّ الجُرْحَ في الوقت المناسب يُوجِعُ العَدَمَ المريضَ، ويَرْفَعُ الموتَ المؤقَّّتَ فكرةً…)). من أَين تأتي الشاعريَّةُ؟ من ذكاء القلب، أَمْ من فِطْرة الإحساس بالمجهول؟ أَمْ من وردةٍ حمراءَ في الصحراء؟ لا الشخصيُّ شخصيُّ ولا الكونيُّ كونيٌّ…
كأني لا كأني… كلما أَصغيتُ للقلب امتلأتُ بما يقول الغَيْبُ، وارتفعتْ بِيَ الأشجارُ. من حُلْم إلى حُلْمٍ أَطيرُ وليس لي هَدَفٌ أَخيرٌ. كُنْتُ أُولَدُ منذ آلاف السنين الشاعريَّةِ في ظلامٍ أَبيض الكتّان لم أَعرف تماماً مَنْ أَنا فينا ومن حُلْمي. أَنا حُلْمي كأني لا كأني… لم تَكُنْ لُغَتي تُودِّعُ نَبْرها الرعويَّ إلاّ في الرحيل إلى الشمال. كلابُنا هَدَأَتْ. وماعِزُنا توشَّح بالضباب على التلال. وشجَّ سَهْمٌ طائش وَجْهَ اليقين. تعبتُ من لغتي تقول ولا تقولُ على ظهور الخيل ماذا يصنعُ الماضي بأيَّامِ امرئ القيس المُوَزَّعِ بين قافيةٍ وقَيْصَرَ… كُلَّما يَمَّمْتُ وجهي شَطْرَ آلهتي، هنالك، في بلاد الأرجوان أَضاءني قَمَرٌ تُطَوِّقُهُ عناةُ، عناةُ سيِّدَةُ الكِنايةِ في الحكايةِ. لم تكن تبكي على أَحَدِ، ولكنْ من مَفَاتِنِها بَكَتْ: هَلْ كُلُّ هذا السحرِ لي وحدي أَما من شاعرٍ عندي يُقَاسِمُني فَرَاغَ التَخْتِ في مجدي؟ ويقطفُ من سياج أُنوثتي ما فاض من وردي؟ أَما من شاعر يُغْوي حليبَ الليل في نهدي؟ أَنا الأولى أَنا الأخرى وحدِّي زاد عن حدِّي وبعدي تركُضُ الغِزلانُ في الكلمات لا قبلي… ولا بعدي | |
|
| |
Admin Admin
المساهمات : 276 تاريخ التسجيل : 08/07/2008 العمر : 46 الموقع : www.shreef2010.ahlamountada.com
| موضوع: اخر كتابات محمود درويش الجمعة أغسطس 15, 2008 5:17 am | |
| وأَنا أُريدُ، أُريد أَن أَحيا، وأَن أَنساك… أَن أَنسى علاقتنا الطويلة لا لشيءٍ، بل لأَقرأ ما تُدَوِّنُهُ السماواتُ البعيدةُ من رسائلَ. كُلَّما أَعددتُ نفسي لانتظار قدومِكَ ازددتَ ابتعاداً. كلما قلتُ: ابتعدْ عني لأُكمل دَوْرَةَ الجَسَدَيْنِ، في جَسَدٍ يفيضُ، ظهرتَ ما بيني وبيني ساخراً: ”لا تَنْسَ مَوْعِدَنا…” - متى ؟ - في ذِرْوَة النسيان حين تُصَدِّقُ الدنيا وتعبُدُ خاشعاً خَشَبَ الهياكل والرسومَ على جدار الكهف، حيث تقول :”آثاري أَنا وأَنا ابنُ نفسي”. - أَين موعدُنا؟ أَتأذن لي بأن أَختار مقهىً عند باب البحر؟ -لا… لا تَقْتَرِبْ يا ابنَ الخطيئةِ، يا ابن آدمَ من حدود الله! لم تُولَدْ لتسأل، بل لتعمل… - كُن صديقاً طَيِّباً يا موت! كُنْ معنىً ثقافياً لأُدرك كُنْهَ حكمتِكَ الخبيئةِ! رُبَّما أَسْرَعْتَ في تعليم قابيلَ الرمايةَ. رُبَّما أَبطأتَ في تدريب أَيُّوبٍ على الصبر الطويل. وربما أَسْرَجْتَ لي فَرَساً لتقتُلَني على فَرَسي. كأني عندما أَتذكَّرُ النسيانَ تُنقِذُ حاضري لُغَتي. كأني حاضرٌ أَبداً. كأني طائر أَبداً. كأني مُذْ عرفتُكَ أَدمنتْ لُغَتي هَشَاشَتَها على عرباتك البيضاءِ، أَعلى من غيوم النوم، أَعلى عندما يتحرَّرُ الإحساس من عبء العناصر كُلّها. فأنا وأَنتَ على طريق الله صوفيَّانِ محكومان بالرؤيا ولا يَرَيَان عُدْ يا مَوْتُ وحدَكَ سالماً، فأنا طليق ههنا في لا هنا أو لا هناك. وَعُدْ إلى منفاك وحدك. عُدْ إلى أدوات صيدك، وانتظرني عند باب البحر. هَيِّئ لي نبيذاً أَحمراً للاحتفال بعودتي لِعِيادَةِ الأرضِ المريضة. لا تكن فظّاً غليظ القلب! لن آتي لأَسخر منك، أَو أَمشي على ماء البُحَيْرَة في شمال الروح. لكنِّي -وقد أَغويتَني- أَهملتُ خاتمةَ القصيدةِ: لم أَزفَّ إلى أَبي أُمِّي على فَرَسي. تركتُ الباب مفتوحاً لأندلُسِ الغنائيِّين، واخترتُ الوقوفَ على سياج اللوز والرُمَّان، أَنفُضُ عن عباءة جدِّيَ العالي خُيُوطَ العنكبوت. وكان جَيْشٌ أَجنبيٌّ يعبر الطُرُقَ القديمةَ ذاتها، ويَقِيسُ أَبعادَ الزمان بآلة الحرب القديمة ذاتها… | |
|
| |
Admin Admin
المساهمات : 276 تاريخ التسجيل : 08/07/2008 العمر : 46 الموقع : www.shreef2010.ahlamountada.com
| موضوع: اخر كتابات محمود درويش الجمعة أغسطس 15, 2008 5:17 am | |
| سأحلُمُ، لا لأُصْلِحَ مركباتِ الريحِ أَو عَطَباً أَصابَ الروحَ فالأسطورةُ اتَّخَذَتْ مكانَتَها المكيدةَ في سياق الواقعيّ. وليس في وُسْعِ القصيدة أَن تُغَيِّرَ ماضياً يمضي ولا يمضي ولا أَنْ تُوقِفَ الزلزالَ لكني سأحلُمُ، رُبَّما اتسَعَتْ بلادٌ لي، كما أَنا واحداً من أَهل هذا البحر، كفَّ عن السؤال الصعب: ((مَنْ أَنا؟… ها هنا؟ أَأَنا ابنُ أُمي؟)) لا تساوِرُني الشكوكُ ولا يحاصرني الرعاةُ أو الملوكُ. وحاضري كغدي معي. ومعي مُفَكِّرتي الصغيرةُ: كُلَّما حَكَّ السحابةَ طائرٌ دَوَّنتُ: فَكَّ الحُلْمُ أَجنحتي. أنا أَيضاً أطيرُ. فَكُلُّ حيّ طائرٌ. وأَنا أَنا، لا شيءَ آخَرَ
واحدٌ من أَهل هذا السهل… في عيد الشعير أَزورُ أطلالي البهيَّة مثل وَشْم في الهُوِيَّةِ. لا تبدِّدُها الرياحُ ولا تُؤبِّدُها… وفي عيد الكروم أَعُبُّ كأساً من نبيذ الباعة المتجوِّلينَ… خفيفةٌ روحي، وجسمي مُثْقَلٌ بالذكريات وبالمكان وفي الربيع، أكونُ خاطرةً لسائحةٍ ستكتُبُ في بطاقات البريد: ((على يسار المسرح المهجور سَوْسَنَةٌ وشَخْصٌ غامضٌ. وعلى اليمين مدينةٌ عصريَّةٌ))
وأَنا أَنا، لا شيء آخَرَ… لَسْتُ من أَتباع روما الساهرينَ على دروب الملحِ. لكنِّي أسَدِّدُ نِسْبَةً مئويَّةً من ملح خبزي مُرْغَماً، وأَقول للتاريخ: زَيِّنْ شاحناتِكَ بالعبيد وبالملوك الصاغرينَ، ومُرَّ … لا أَحَدٌ يقول الآن: لا.
وأَنا أَنا، لا شيء آخر واحدٌ من أَهل هذا الليل. أَحلُمُ بالصعود على حصاني فَوْقَ، فَوْقَ… لأَتبع اليُنْبُوعَ خلف التلِّ فاصمُدْ يا حصاني. لم نَعُدْ في الريح مُخْتَلِفَيْنِ … أَنتَ فُتُوَّتي وأَنا خيالُكَ. فانتصِبْ أَلِفاً، وصُكَّ البرقَ. حُكَّ بحافر الشهوات أَوعيةَ الصَدَى. واصعَدْ، تَجَدَّدْ، وانتصبْ أَلفاً، توتَّرْ يا حصاني وانتصبْ ألفاً، ولا تسقُطْ عن السفح الأَخير كرايةٍ مهجورةٍ في الأَبجديَّة. لم نَعُدْ في الريح مُخْتَلِفَيْنِ، أَنت تَعِلَّتي وأَنا مجازُكَ خارج الركب المُرَوَّضِ كالمصائرِ. فاندفِعْ واحفُرْ زماني في مكاني يا حصاني. فالمكانُ هُوَ الطريق، ولا طريقَ على الطريق سواكَ تنتعلُ الرياحَ. أضئْ نُجوماً في السراب! أَضئْ غيوماً في الغياب، وكُنْ أَخي ودليلَ برقي يا حصاني. لا تَمُتْ قبلي ولا بعدي عَلى السفح الأخير ولا معي. حَدِّقْ إلى سيَّارة الإسعافِ والموتى… لعلِّي لم أَزل حيّاً | |
|
| |
Admin Admin
المساهمات : 276 تاريخ التسجيل : 08/07/2008 العمر : 46 الموقع : www.shreef2010.ahlamountada.com
| موضوع: اخر كتابات محمود درويش الجمعة أغسطس 15, 2008 5:26 am | |
| وبهذا تتم قصيدته
سآخذ استراحة قصيرة
فما فعلته أجهد عينيَّ الناعستين
شويعر __________________ | |
|
| |
| اخر كتابات محمود درويش | |
|